بسم الله الرحمن الرحيم
توقفت في التدوينة الأخيرة فيما يخص الرحلة إلى البيرو عند خروجي من تشكلايو. أخذت الحافلة في رحلة طويلة بالمساء نحو جبال الانديز، إلى منطقة تسمى تشاتشابوياس. لم أشعر بالرحلة، فقد نمت، وحينما استيقظت فجراً كانت الحافلة قد توقفت إلى جانب الطريق، من ضمن صف طويل من الحافلات المتوقفة، صعوداً في طريق جبلي ساحر. فهمت من الناس وجود انهيار جبلي يسد الطريق، وأن إزالة الركام قد يستغرق أكثر من 4 ساعات قبل التمكن من مواصلة الرحلة، حيث لم يتبقى سوا القليل على الوصول إلى مدينة تشاتشابوياس الصغيرة.
لم أشعر بالضيق صدقاً، لم أكن لأشعر بالضيق بصراحة في ذلك الوقت من الرحلة، في بداية رحلة شهر إلى بلد لطالما تمنيت زيارته، وأعددت جيداً لتحقيق الكثير من الامنيات فيه.
كان الجو ساحراً، وكان السحاب يرى على مستوى قريب، والجبال العظيمة العملاقة تشخص في كل مكان. كيف يمكن للمرء أن يشعر بالضيق؟.
لكن لم يطل بقائي هكذا، إذ أطل رجل وامرأة تصغره سناً في الحافلة، ونادوا: موهمد؟ موهمد؟. لم يلتقطوا من اسمي غير هذا، اسم والدي. قلت بأنه أنا، وأنا أشك بوجود أي مسلم آخر. خرجت معهم، وأفهموني بلغة انقليزية ركيكة بأنهم سيأخذاني إلى ما خلف الانهيار، حتى تأتي سيارة من وكالة السفر لتأخذني إلى الفندق.
هذا الشكل من العناية هو ما حضيت به طوال شهر، إني راض كل الرضا عن الوكالة التي تعاملت معها، عن كل شيء، عن طيبتهم وتعاونهم، عن اهتمامهم البالغ، وأحياناً المفاجئ بمبالغته حد الدلال.
مشينا صعوداً حتى وصلنا الانهيار، حيث وقف بعض الناس يتأملون، ثم مضينا في جانب الطريق على سفح الجبل، وعبرنا تلك الوعورة من بين النباتات الكثيفة والأرضية الصعبة. قلت: مغامرة!. فضحكوا. حينما عبرنا إلى الجهة الأخرى، كان المنظر أجمل. كان سحرياً.
لم ننتظر كثيراً حتى جاءت سيارة، وفي السيارة مسئولة من الوكالة المحلية للسياحة، من أجمل الناس الذين رأيت في حياتي.
نزلت وعرفت بنفسها. كانت بغاية اللطف والعفوية. بعد نقاش مع الرجل والمرأة اللذان نادياني موهمد، قالت بأن فندقي بالواقع يقع في الجهة الأخرى من الطريق، حيث أن توقف الحافلة اختصر علي الوقت بالواقع، فقد تعدت الحافلة الفندق قبل فترة، لذا سنعود إلى حيث كانت الحافلة، ونبحث عن سيارة تعود بنا. قلت: يا للحظ الجيد! ضحكت، وقالت جيد لك، لكن ليس لكل هذه الحافلات وركابها. حينما وصلنا قرب حافلتي، وجدنا سيارة تقل مجموعة من الشباب الصغار. حادثت الفتاة السائق، وطلبت منه أن يعيدنا إلى الفندق، على بعد مسافة غير كبيرة. وافق مباشرة، ذلك أن كسب القليل من المال خير من الانتظار لساعات بلا فائدة. نزل الشباب، وجلهم من السكان الأصليين، ووقفوا لينتظروا عودته. أخذنا إلى الفندق، وهو فندق جميل، في بطن واد كالجنة، يجري إلى جواره نهر يحده سفح جبل.
أنجزت الفتاة أموري مع الفندق، ورحب بي اهله جيداً، كنت النزيل الوحيد. ولا غرابة، إذ أن الشمال برمته خارج الخريطة السياحية بالنسبة لمعظم السياح، فلا يعرف الغالبية العظمى منهم ما يوجد فيه، ولا عن كونه رائع ومثير للاهتمام بنفس قدر الجنوب. فلو كانت البيرو دولتين، واحدة إلى الشمال والأخرى إلى الجنوب، لاستحقتا الزيارة قبل أي مكان آخر في المنطقة في رأيي، نظرا للغنى البيئي والحضاري الذي يميز البيرو عن سواها من أمريكا الجنوبية.
ودعتني الفتاة، وأخبرتني بأن مرشدي سيأتي بعد ساعتين، أو ربما قالت ثلاث، ومضت. طلبت إفطاري، وطلبت أن أتناوله إلى جانب النهر. إن تناول مجرد بعض تمرات إلى جوار النهر والجبل يكفي لتشعر بالرضا.
لكني لم أكن أعلم بأني كنت على وجه معاناة مع المرشد القادم.
لا أريد أن أتحدث عنه كثيراً. لكنه رجل غريب الأطوار، غير مريح. ظل يتحدث عن معتقداته الغريبة، ضيع وقتي كثيراً وأساء إلى الجولة.
يعتقد مثلاً بأن كل الأديان خطأ، رغم أن المسيح جاء بالحق، أو بالمعرفة كما يصفها، حيث أن عيسى عليه السلام تعلم في مدرسة في الفضاء (!!)، وجاء ليعلم الناس هنا ما تعلم هناك من كافة المعارف الإنسانية.
الزواج كذلك أمر غبي، لا يجب أن يستمر، لأنه مجرد ربط قانوني لضمان حقوق الزوجة بعد الطلاق (!!!)، وخلاف هذا من الخزعبلات ضيقة الأفق، التي لم يتوقف عنها ولا دقيقة.
ذهبت معه إلى مكان يسمى كراهيا. وهو مكان جميل، يحوي على مقبرة من نوع خاص. لكن هذه المنطقة ككل غير مؤهلة ومطورة جيداً. وبشكل عام، تدعم الحكومة السياحة في الجنوب، حيث أشهر المزارات السياحية، أكثر من الشمال بكثير، وترى أهل الشمال يشتكون من هذا الأمر كثيراً وبمرارة.
الطريق كان رائعاً، وبالواقع، في هذه المنطقة ترى الجمال وتشعر بالروعة أينما وليت وجهك.
ومررنا كذلك بقرية جميلة، اسمها لويا، وهي ساحرة ككل القرى والمدن الصغيرة في هذه المنطقة
الطريق كان رائعاً، وبالواقع، في هذه المنطقة ترى الجمال وتشعر بالروعة أينما وليت وجهك.
ومررنا كذلك بقرية جميلة، اسمها لويا، وهي ساحرة ككل القرى والمدن الصغيرة في هذه المنطقة
خيار مثير للاهتمام جدا كوجهة سفر، حمستني ازور هذا البلد المليء بالالغاز
ردحذفبانتظار بقية الاجزاء بشغف
اتمنى التعجيل بها :)
أخي عبدالله،
حذفشكراً على تشجيعك :-)، كنت قد بدأت بفقد الهمة على الكتابة عن الرحلة، فشكراً جزيلاً.
رحلتك شيقة وتقريرك عنها ينم عن عمق في الية اختيار وجهتنا في السفر والهدف منه
ردحذفبارك الله جهودك
واستمتعت جدا بهذه الرحلة
أخي العزيز عبدالعزيز،
حذفسعدت جداً بردك، وأنك لا زلت تتابع المدونة. أشكرك على المجاملة والتشجيع، فجزاك الله خير الجزاء. مجرد أنك لم تنسني على الآن يعني لي أكثر مما تتصور.
ستستمتع أكثر حينما تذهب إلى هناك، صدقني :-).