بسم الله الرحمن الرحيم
معاناة الناس تتشابه أحياناً، وتتكرر، ولا أحد يتعلم، على الأغلب لأن الجميع يظن بأن تجربته لها ظروف مختلفة. قرأت تجربة تأثرت بها كثيراً. كانت تطلب المشورة في صفحة ورود الأمل في جريدة الجزيرة، الجريدة التي لا أفتحها بالعادة، ولكن كنت أنتظر في المستشفى وكان يجب أن أقرأ شيئا، والحمد لله أني أضطررت. لماذا يسعدني أن اضطررت؟ هل لأن الرد على معاناة المرأة جاء بجديد؟ لا، ولكن، بدا لي توكيداً على مروري بنفس التجربة، وانتهائي، ومراجعة للدروس التي استخلصتها من التجربة. وما أقساها من دروس. إن المشكلة لدى الفتاة الشابة تتعلق بالصداقة، مثل تلك المشكلة التي واجهت في وقت سابق. وهي مشكلة ذات وجوه مختلفة عن المعهود عموماً، لا تتعلق بنقص العطاء والالتزام والمحبة، ولكن تتعلق بزيادة هذه الأمور على نحو مسرف. وهذا يدعو إلى نفور الطرف الآخر. لا يمكنني أن أنسى بأني نفرت من أناس آخرين حينما أظهروا مثل هذا الاهتمام المسرف والعطاء غير المنطقي. ولكني مع ذلك فعلت نفس الشيء مع شخص آخر. وربما ذهبت إلى أبعد مما جرى معي ومع غيري بإلحاحي، فلا أنسى أن من طبعي المثابرة الشديدة على الأمور، إن كانت في صالحي أو لا، دون أن أشعر على الأغلب. كانت إجابة المحرر ممتازة، وشاملة، ومنطقية. ولكن، لا شيء سوف يخفف الندم والشعور بالخسارة والغباء، وصدقاً، لم يكن المحرر يحاول هذا. أتذكر حصار صديق عزيز لي، وتصعيبه أمور حياتي، وإشعاري بالضيق بسبب اهتمامه الزائد. كما يقول المحرر عن هذه النقطة: "فغاية الإزعاج أن تجد شخصاً يتصل بك أكثر من مرة ويستغرق في السؤال عن الحال رغم أنه ليس هناك ما يدعو للسؤال والقلق! أو أن يضرب عليك حصاراً عاطفياً يكاد يخنقك!." ولكني لم أحاول إنهاء علاقتي بذلك الصديق، بقدر ما حاولت أن أخفف من تواصله معي وأجذب انتباهه وأشغله بأمور أخرى أكثر جدوى، فلم أكن أود أن أخسره لعلمي بأنه طيب وسوي، إنما يعاني من مشكلة ويحتاج إلى تعاطف، سوا أن الأمر انتهى بالافتراق، ليس بسبب سوء فهم، ولكن بسبب قرار متفق عليه. لم يكن هو الصديق الوحيد الذي سبب لي هذه الأزمة، كان هناك غيره، وربما لم أتصرف على نحو حسن مع غيره كما أحسنت التصرف معه مع الأسف، وإن لم أكن قسوت أو ابتعدت فجأة، ولكن عزائي أن سوء تصرفي لم يكن عن قسوة، أو سوء نية. ولكن مع خبرتي بالأمر، إلا أني وقعت فيه مع أحدهم، ولم يتصرف معي كما تصرفت مع الآخرين. ولكني لا أوقع باللوم كاملاً عليه، على أني أعتقد بأني لم أعرفه جيداً، فقد ظهر بالنهاية بأنه كشخص أقل مما تخيلته بكثير. وشعوري الخاطئ باختلافه هو ما أوقعني بالخطأ والمبالغة بتقديره، ولكن هل يتحمل هو هذا الخطأ؟. يقول المحرر: "كثرة الاقتراب والالتصاق لا شك أنها تحرض الآخرين على الهروب والابتعاد كما جرت على هذا التجارب واتسقت به نظم العلاقات يثبت الواقع هذا" معنى هذا، أنه حتى لو كان بقدر توقعاتي، وكان أكثر تفهماً، لم تكن الأمور لتسير على ما يرام، وليس معنى هذا أني أعتقد الآن أنه سيء أو لا يستحق، ولكن ما أقوله هو أني لم أعرفه جيداً، ولا زلت ربما لا أعرفه جيداً، وبأي حال، حتى لو كنت أعرفه وكان مميزاً حقاً، لم يكن يجب أن أتصرف كما تصرفت، ولا أحد يستحق ذلك العطاء، لأنه زائد ومؤذي، ولأن لا أحد يدوم للآخر، ولأنه غير منطقي. قال المحرر كلام واضح، وربما بديهي، ولكن هل الكل يقرأه و يعتقد بأنه يطبق ما فيه دائما؟ هكذا قال: "أنا لا ألومها في الحقيقة فليس ثمة أثمن ولا أنفس من الحرية وأي تهديد لها يجعلنا نعلن حالة الطوارئ حاملين أسلحتنا لصد هذا التهديد وهذا ما حدث والله أعلم"، على كلامه هذا، هل يجب أن ألوم ذلك الشخص؟ على الأقل في الدرجة الثانية؟ من بعد لومي لنفسي؟ لا أظن أن لومه عادل، ولكن من جهة أخرى، نميل إلى لوم الآخرين حتى لو لم نصرح بهذا، لأننا نشعر بأنهم كان يجب أن يقولوا بعض الأمور لنا بمباشرة ووضوح، لأننا كنا أغبياء في بعض الظروف، لأننا كنا نأمل كثيراً. فالابتعاد بدون شرح، الهروب، السخرية، الالتفاف على الأمور والإشعار بالضيق، قد لا تثني المشاعر الصادقة، إنما ما يثنيها هو الإجابة الصادقة. وهذا الشيء الوحيد الذي يبدو أن المحرر إما يلتف عليه في محاولة للمساعدة، أو أنه لا يفهمه بسهولة، رغم أن إجابته صحيحة بلا شك، ولكن قد لا تكون مجدية في هذه الظروف إلا مع شخص في ظروف أكثر اتزان، إذ يقول: "وما أنصحك به أن تكفي يا رعاك الله عن الاتصال نهائياً فرسالة الصديقة واضحة (من ردة فعلها) جلية فتصرفاتك وإلحاحك المزعج يزيدها كرهاً ونفوراً منك." لقد نصحت بنصيحة مشابهة، وربما أفضل بكثير من هذه النصيحة وأكثر عدلاً، ولكني لم أمتثل لها، فكانت خسارتي أعظم. ولكن لا بأس.
لدي زميل أبكم وأصم في العمل، شاب طيب ومرح، ومضحك جداً. أجد صعوبة أحياناً في التواصل معه وفهمه، مع أن بعض الزملاء يتفاهمون معه بسهولة بالإشارة وبدون كتابة، بسبب العادة على ما يبدو. اليوم أشر إلي وهو يجلس مع أحد الزملاء من أجل عمل على ما يبدو، ولما نظرت إليه أشر إلي باصبعه ثم خط باصبعه خط على خده تحت عينه، ظننته يريد أن يقول: دمعه. لم أفهم المقصد. اقتربت وقمت بالحركة نفسها وأشرت بيدي سائلاً ماذا يقصد؟ فكتب على ورقة أمامه: حلو. ضحكت، وضحك هو لضحكي.
كثيراً ما يمازحني بخصوص شكلي، لماذا لم أقصر لحيتي منذ فترة؟ لماذا لا أقص شعري؟ وحينما آتي وشعر وجهي قصير جداً، أجد منه تلك المزحات.
ذهبت أمس إلى الفيصلية بعد خروجي من العمل، لتناول الغداء، حيث اشتقت لوجبتي المفضلة من مطعم ساموراي في مجمع المطاعم، تيبنياكي. ورغم أن فترة الغداء في الأيام من السبت إلى الثلاثاء مسموحة لدخول العزاب، إلا أني وجدت رجل أمن نحيف وطويل يقف في الباب، كالعادة، بملابسه التي تشبه ملابس البودي جارد، يستوقفني رافضاً دخولي. أشرت إلى اللوحة وقلت ولكنه يسمح للعزاب بالدخول اليوم!
تمعن بي قليلاً، ثم قال: وش اسمك؟
قلت: سعد الحوشان!
فكر قليلاً.
قال: وش اسم اخوك؟
أنا ضاحكاً: وش تبي بأخوي؟!
هو: أنا أعرف أخوك!
ضحكت وهززت رأسي.
ولكنه أضاف: أعرفه، هو يشبه لك صح؟
هززت رأسي قاصداً:لا.
ثم هممت بالدخول، وقال: طيب لا تطول فوق، ترى دخلتك على مسؤوليتي!. لا تتأخر!!
النصاب...
كان أمس أقل ازدحاماً من المعتاد. ربما لأن المدارس والجامعات في إجازة. مع أن المكان كان ممتلئ بالفعل. كانت وجبة جيدة، ولكن مملة.
هل تتذكرون الكروت التي أضعتها للدكتور الذي أعمل معه؟ لقد وجدها على مكتبه، لا بد أنه أخذها في وقت سابق ونسي. حينما أخبرني لم أقل شيئا. ولكني لم أعد أشكك بنفسي كثيراً فيما يخص إضاعة الأشياء. فقد لاحظت أنه كثيراً ما يطلب مني البحث عن شيء، وربما يتوتر، ثم يكتشف أنه لديه.
هذا الأسبوع أشبه بإجازة، ولكني أذهب إلى العمل، حيث لا عمل حقيقي. الدكاترة لا يأتون كثيراً أو أبداً، الموظفون خاملون. لماذا لم يكن الاسبوع إجازة للجميع؟ قد يعمل المدرسون والطلاب لوقت طويل، ولكن الموظفين لا يوجد لهم إجازات منتصف العام أو الصيف، قد يعمل الموظف طوال العام باستثناء الأعياد.
أكلت أمس دون أن اعلم القليل من لحم البعير. شعرت بهذا بعدما ابتلعت قطعتين ربما. أنا لا آكل لحمه. أشعر بالخيانة لأنه لم يتم تحذيري.
سألني أمس شاب سوري يراجع الوزارة وهو تابع لشركة، سألني هل المطاوعة سيقولون له شيئا لو لم يصلي؟ حيث كان الظهر قد أذن له. لا حول ولا قوة إلا بالله. للأسف، لم يكن الوضع غريباً، فهذا السؤال متوقع من شباب دول الشمال والمغرب للأسف، فمثلاً، لن يسألك شاب مصري أو سوداني أو خليجي أو يمني هذا السؤال، ولو لم يصلي لأستحى أصلاً أن يسأل هكذا، ناهيك عن إذا كان لا يعرفك.
رأيت مصادفة في المطعم على ما أعتقد دعاية شامبو شعر. يظهر بالدعاية ذلك التركي السمج ذو الأسم الخربوطي، ولكنهم يسمونه مهند. يتراقص ويتقافز هنا وهناك وهو يلعب بشعره كالمخبول أو الشمبانزي، بوضع لا يبدو ملائماً لعمره. ويتكلم مبتسماً يمتدح شامبو الشعر. المشكلة أني حينما أنظر في وجهه لا أرى شيء مميز سوا أنه شديد الشقرة إلى حد الصهابة. رأيت صورة له بجانبها صورة لممثل تركي آخر ذو ملامح شرقية، لم يكن هناك مجال للمقارنة، الأخير أكثر وسامة بأميال وأكيال. ولكن المشهور هو مهند.
المشكلة أن الناس هنا أعطوه أكبر من حجمه بكثير. مما يظهرنا أمام العالم وكأن ذوقنا فقير، وكأننا لم نرى "نعمة" من قبل.
جافاني النوم على نحو غريب هذه الليلة. ولكن غداً الخميس، فلا مشكلة كبيرة. داهمتني العديد من الأفكار، والذكريات، والسيناريوهات لحياة أفضل، ومفاجئات.وكل هذه الرؤى والذكريات، تتشبث بعناصر من الماضي كإلهام أو مصدر.وليس الحاضر، وليس ما يبدو عليه المستقبل بالفعل. حيث أن الحاضر، والماضي القريب، ليسا حقيقيان كحياة عرفتها في وقت سابق، ولا يعني هذا أنها كانت سعيدة، ولكنها كانت حياة، وإن كنت لا أتمنى عودتها، رغم الملل الآن، أما غداً، فكيف سيختلف عن اليوم، لن يختلف. هذا ما اتخيله دائماً. إني أغفل الأحداث الجانبية مهما بدت جوهرية بالمنطق، فتعريفي للأحداث الحقيقية التي تعطي للحياة معناها مختلف، إنه ليس العمل، وليس البقاء عائماً على ما يرام، ولكن الحمد لله على كل حال، فهذا حال حسن رغم كل شيء.
أتخيل مما أتخيل، أخطاء صححت، ومعانٍ أستحدثت، وقلوب جمعت. أو، رأيت مما يرى المتيقظ، مما هو أقل حقيقة مما يرى النائم.
ذهبت الاسبوع الفائت للمرة الثانية إلى الأحوال المدنية، لأجل تجديد بطاقة الهوية. ذلك أنهم في المرة الأولى أخذوا أوراقي، وطلبوا من العودة بعد اسبوعين. في الأسبوع الفائت، كانت الأمور أكثر سوء. حيث انتهت أرقام الانتظار في الصالة الخاصة بالتصوير وأخذ البصمات، وكان مديرها عصبي، يجيب الناس إجابات استفزازية بدل طمأنتهم، يا له من غبي. قالوا لنا بأنهم سينهون أمر من معهم أرقام أولاً، ثم سيلتفتون إلى من ليس معهم أرقام، وسيبقون حتى المغرب لإنهاء الإجراءات! من يريد البقاء حتى المغرب؟ كذلك، كيف يضمن المرء ترتيبه بلا رقم؟! سيكون الأخير بعدما جاء الأول. فكرت بأن أذهب إلى مدينة أخرى لأنهي الإجراءات بعيداً عن هذا الزحام المحبط والتنظيم البدائي. اتصلت أستشير أبو محمد، وهو خبيري الأول وزميلي في العمل في الجامعة. ولكن لم يكن لديه خبرة. اتصلت على زوج أختي وهو من مدينة قريبة من الرياض، فنصحني أن أسألهم أولاً إن كان هذا ممكناً؟ فقد أعيد كامل الإجراءات في المدينة الأخرى، الأقل ازدحاماً بلا مقارنة، بل ربما الخالية من الزحام. ذهبت إلى مكتب مدير الجوازات، وسألت مدير مكتبه. أخبرني بأن أبقى هنا، فلا يوجد أكثر من 150 شخص وسينهونهم بسرعة! لم يكن هذا كلام مطلع على حقيقة الأمر، ولو كان صادقاً بالعدد، فهو ليس لديه أي فكرة عن حقيقة بطء التنفيذ. قلت بأني لا مانع لدي من الذهاب، وهل هو ممكن أو لا؟ طلب مني الانتظار، وسأل زملاءه بالمكتب، فأخرج عسكري معهم من جيبه أرقاماً، وأعطاني واحداً منها!!!! شكرته ونزلت. وجدت أن رقمي قريب. هذا حظ حسن، الحمد لله. حظي عموماً في هذه الأمور غالباً ما يسير أفضل من المتوقع من واقع الظروف، ولكن ليس دائماً. حينما دخلت وأعطيت بصماتي، أراد الموظف أن يصورني. ومع أني أسمع أنهم يصورون الناس كيفما اتفق ولا يسمحون بفرصة ثانية، إلا أن الرجل نظر إلى الصورة، ثم نظر إلي، وقد كنت متأكداً أن صورتي سيئة لأني لم أكن مستعداً، فعرض بطول بال وسعة صدر أن نعيد الصورة. شكرته بصدق. بعدما انتهيت وذهبت إلى الصالة الأساسية، أعطوني قسيمة لأراجعهم بعد اسبوعين! شهر كامل لاستخراج بطاقة هوية. الأجانب يحصلون على بطاقة الإقامة خلال يومين أو ثلاثة. عدت إلى مدير مكتب مدير الجوازات، ووقفت أنتظره يفرغ، لما التفت إلي وسألني عن حاجتي أخبرته بأني جئت فقط لأشكره، فوجئ وسألني إن كان خدمني، نسي، ثم ابتسم ابتسامة عجيبة، صار فمه معها متوازي أضلاع، بتوازي جوهرة، تخططه أسنان طويلة، بدا شكله صبياني جداً، بدا وكأن جزء منه لم يكبر.
أثارت تلك الفتاة صاحبة المدونة الجيدة موضوع ضد الرجال. ورددن زميلاتها الفتيات بردود جارحة وسخيفة بحق الرجال، والأسوأ أنها ردود جاهلة وعمياء. ومما زاد بانزعاجي هو ردود الرجال التي تتصنع المنطق وعدم إيقاف بعض السخيفات عند حدودهن، وهذا أمر جرأ الفتيات في الانترنت على ممارسة ضغوط وحصار نفسي ضد الرجال. لم أسكت، وأعتقد أني أديت جيداً، قبل أن أقرر التوقف. ولكن مع ذلك، انخدشت صورة المدونة وصاحبتها في عيني بشكل ما. كانت أكثر أدب من زميلاتها، ولكنها ملتوية. عرفت منذ وقت طويل على الانترنت أن الفتيات أغلبهن لعينات، لئيمات، يدسسن السم بالعسل كطبع فيهن. لا أمان ولا عهد لهن، أقول هذا بعد مشكلة واجهتني في منتدى كانت شعبيتي فيه ممتازة، بسبب حفنة حثالة من الفتيات المنافقات والغبيات، حيث إن لم تستجب لما تريد أو تهوى، أو لم تسكت أمام وقاحتها وانتقادها، أو خالفتها الرأي، أو حتى وقعت بمشكلة مع صديقتها، فإن كل هذا مبرر لتخرج كل ما لديها من سوء وأخلاق قذرة. ولكن مع ذلك، وقفن إلى جانبي أخوات رائعات، أخلصن لصداقتنا بالمنتدى أشد إخلاص، إلى جانب أصدقاء رجال، ولكني تركت المنتدى على أي حال. أشد المخطئات خطأ عادت بعد أربع سنوات تطلب مني أن أسامحها، بصيغة مضحكة غير حساسة إطلاقاً، غير مدركة لحجم الضرر الذي لحق بي، فتارة تقول أنها لن تبرر وتعقب هذا بتبرير أقبح من ذنب، وتارة تطلب السماح وبعدها تقول أن السماح والعفو لا يهمان طالما قرأت الرسالة!! لم أرد، ولم أسامح، ولن أسامح. ليس أني لا أسامح بالعادة، ولكن كان يمكنها أن تكون أكثر إحساساً وشعوراً، بحجم يكافئ ما لحق بي من ضرر. لو فعلت هذا، لربما فكرت بالعفو. قال لي في وقت سابق شخص أثق به أنها تبدو غبية، ولكن، لا يبدو الأمر هكذا، إننا نحن الأغبياء، لأننا نحسن الظن فيمن لا يستحق. إن أسوأ شيء بالاعتذار هو استباقه بمبرر، خصوصاً حينما يكون الخطأ جسيماً وشخصياً،أو مؤثراً على حياة أحدهم مهما بدا تافهاً. وكأن المخطئ يتهرب من خطأه، لا يتحمل مسئوليته، ولكنه الآن يتكرم بالاعتذار، لا، إن المخطئ لا يتكرم، ويجب أن يحرص أن لا يوصل هذا الشعور، وإلا فإنه حمار. والخطأ الأكبر الذي يقع فيه معظم الناس، هو القول عند الاعتذار: يمكني كنت معصب وقتها، وجت التعصيبه فيك! ويضحك، أما هذا، فهو ليس بحمار، ولكن قد يتخذه الحمار حماراً. بغض النظر عن حسن النية، هذا خطأ غبي جداً ويدل على سفاهة غير عادية.
أعمل منذ بداية اليوم، وبالنهاية، انحذف كل ما قمت به بسبب غلطة غبية، يا الله. لست راغب بالإعادة، ليس الآن. اتصل بي البارحة الدكتور الانتهازي، وهو لا يتورع عن الاتصال في أي وقت، مما يضايقني حقاً. وقد كان لم يأتي في الأسبوع الفائت، وهو إجازة للمدارس والجامعات، ولكنه يعمل بالوزارة فلا أعتقد أن الإجازة تشمله، مع ذلك، اتصل أمس يسأل عن ما قمت به خلال الأسبوع الفائت، ولم يرضه أني أنهيت ما طلبه مني، بل قال لماذا لم أكمل الباقي؟ والباقي، هو كل شيء تقريباً، وماذا يعمل هو؟! يا للبجاحة، لقد شعرت بسخافته وسطحية تفكيره البارحة كما لم أشعر من قبل. أرجو أن يسهل الله أموري وأخرج من المكان، مع أني أتصور بأن الأمر سيستغرق وقتاً فيما لو وافقوا على خروجي من عندهم. أمس السبت أخذت الرسالة الموجهة من الجامعة إلى الوزارة تطلب نقل خدماتي إليها. اعطيتها لمدير شؤون الموظفين وسألني عن ماهيتها. أخبرته باختصار، قرأها، ثم أخبرني أن آخذها إلى الوارد ليعيدها الوارد إليهم (!!) لن أفهم أبداً، أبداً، الغرض من هذه الدوائر، لماذا لا تسجل في قسمهم بالكمبيوتر؟ هل يجب أن تذهب إلى الوارد؟ ويزدحم الوارد بكل شيء؟. وقال بأنهم سيكتبون خطاب لمديري ليرون مرئياته. شكرته وخرجت. أنا أتجنبه بالعادة، وهو ينظر إلي بالعادة بطريقة غريبة، ربما بسبب الموقف الذي حصل حينما أردت الانتقال وهددت ضمنياً باللجوء إلى ديوان الخدمة المدنية، على أنه يجاملني أحياناً حينما يوقع على الأوراق التي أحضرها ويعاملني بذوق، ولكني لا أحب أحد من قسمه، فكلهم على جانب غير عادي من الصفاقة، أو أغلبهم. يا رب، يا رب، أعدني إلى الجامعة.
إن الدكتور الانتهازي يضعني بمأزق أخلاقي فعلاً، فلست أريد أن أجرحه وأعامله بصراحة رغم أني أستطيع ولا أخاف، ومع ذلك، وفيما لو استمريت بالعمل لديهم بالوزارة ورفضوا خروجي، أخشى أني سأضطر لذلك إذا ما تكررت اتصالاته المتأخرة وغير الملائمة.
شعرت بتعب اليوم في العمل، حاولت البقاء بقدر المستطاع، ولكن في النهاية وجدت أنه من الأفضل أن أغادر حتى لا يسوء وضعي ولا أستطيع القيام بما يطلب مني على الوجه الأمثل. غثيان وصداع وارتجاف. الآن أنا أفضل الحمد لله، ولكني لا أشعر بأني بوضعي الطبيعي المعتاد.
سعد الحوشان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ما رأيك بالقول؟