بسم الله الرحمن الرحيم
متى يبدأ المرء مسؤوليته تجاه ما يقوم به؟ ما يقوله؟ في أي سن؟. هذا أمر جعلني أحار حقاً بالناس، حيث أن سن الطفولة والجهل عندهم آخذ بالامتداد، ليبرروا سوء أعمالهم. قد يقول لك شخص بأنه كان صغيراً حينما أخطأ في حقك، لم يكن عمره يقل عن العشرين. كردة فعل، ولعدم اقتناعي بأن البراءة أمر مسلم به كلما تراجع سن المرء، فالناس ينضجون على نحو مختلف، وأنا، لا أحسن الظن كثيراً فيهم، لهذا، صرت أكثر قسوة وواقعية تجاه ما يقوم به الناس، حتى حينما لا يعير الآخرين الأمر اهتماماً.
رأيت مقطعاً عن قناة المجد، على قناة الأطفال أعتقد، حيث ثلاث مذيعات صغيرات، أقدر أعمارهن ما بين التاسعة والحادية عشر، يقدمن برنامجاً، ويستقبلن مكالمات الأطفال. الفتيات مصريات، وأعتقد أن البث يتم من مصر. اتصلت طفلة من بناتنا اسمها ريتاج، وبدأت مكالمتها على ما يرام، حيث طلبت من المقدمة الأساسية أن تتكلم مع المقدمتين الأخريين، وحينما تم ما أرادت، طلبت انتباه إحداهن، واسمها ماهينور، وقالت عبارة تجامل الأثنتين الأوليين، وتدعو الأخيرة بالـ"جزمة" على نحو صادم. كان من الواضح أن الطفلة كان لديها المزيد لتقوله، لكن تم قطع مكالمتها لحسن الحظ. لا أدري، هل كان أهلها على اطلاع على ما يجري؟ كانت الطفلة الأخرى حاضرة البديهة ما شاء الله، وردت رداً حسناً، ولكنها طفلة بالنهاية. تحطم قلبي حينما بكت، ورغم أنهم أبعدوا الكاميرا تجاه المذيعة الرئيسية، إلا انه أمكنني سماع نشيج الطفلة المجروحة، على نحو قطع نياط قلبي. عادت الكاميرا مرة أخرى للمذيعتين، لتوديع المشاهدين، تكلمت الأولى، ثم تكلمت الثانية، فالأخيرة، التي تعرضت للإساءة، وقالت بأنها تشكر المتصلة لأنها أعطتها حسنة وأخذت سيئة، ولم تستطع أن تكمل، إذ بكت. فاق الأمر احتمالي، وكذلك، ذهلت من حسن التربية والذوق والشعور لدى هذه الطفلة ما شاء الله، والطفلتين الأخريين كذلك. هكذا المصريين يربون أبنائهم ما شاء الله، حتى حينما لا يكونوا متدينيين تماماً، إن تربيتهم حسنة. ذهبت أمي إلى مصر في العام الفائت مع أخي، وقالت أنها بينما كانت تنزل الدرج، كان بضعة أطفال صغار يلعبون عليه، إنتبه أحدهم إليها فقال للباقين أن يبتعدو عن طريق "طنط"، وابتعدوا، وقد تكلمت أمي بإعجاب عن تربيتهم. حينما يفكر المرء، ماذا يمكن لاطفالنا أن يفعلوا في نفس الموقف، على درج ما؟ قد يبتعدون، ولكن بعدما يؤمرون على الأغلب، ولن يكون لديهم دافع للابتعاد من تلقاء ذاتهم،، وقد لا يتكلمون بالتهذيب والاستقلالية التي تكلم بها هذا الصبي المصري، لكن هذا في حال كانت المرأة سعودية، وإن لم تكن، ولم تكن ترتدي عباءة، فيوجد إحتمال صغير، ولكنه موجود، بتوجيه تعليق أو اتخاذ موقف غير مهذب، قل إن من مرت، خادمة مثلاً، أو مصرية محجبة. هناك في مصر، رغم أن أمي ترتدي العباءة والبرقع على الأغلب أو الغطاء الكامل، إلا أنها سميت "طنط" كما قد تسمى أي مصرية من سنها، ولم تكن بالنسبة إليهم مجرد أجنبية، أو داعي للفرجة والفضول. هذه هي التربية الحسنة، وأفترض أن حسن التربية هذا ينقص حتى الغربيين، ولكن أطفالهم على ما يبدو لي ليسوا بالسوء الذي يجعلهم يتصلون على الناس ويهينوهم بالقنوات. طبعاً، لا يتجرأ أطفالنا بشكل عام على ماا تجرأت عليه ريتاج، الطفلة المعتدية، ولكن، ينقصهم كذلك الحضور الحسن المهذب واللافت كالأطفال المصريين. إن أطفالنا خجولين عموماً، وباردين، وبلداء إجتماعياً أمام الغرباء، ولا يستطيعون التحدث والتعامل بالمواقف المختلفة عن المعتاد، نحن من يعلمهم هذا، نعلمهم، أن لا يتعلموا. وهم حينما يكونون جريئين، فهم أنانيون، وصفيقون وأنذال. "نجسين" كما نقول شعبياً.
إن أخواتي مدرسات، وهن يحكين لي عن وقاحة الطالبات وقلة تربيتهن بشكل عام، على نحو يفوق ما كان موجوداً في جيلنا. ولكن، من ربى هؤلاء الأطفال؟ إنه جيلنا. خبز أيدينا، ونأكله الآن.
ليس لدي أطفال، ولكني أهتم بالتربية، وأحاول أن أتعلم. هذا يسبب لي الإحراج أحياناً. حسبني دكتور ذات مرة حينما كنا نتناقش بالتربية أب لأطفال، وبدوت كشخص متفلسف وسقيم حينما قلت بأني غير متزوج. ولكن لعل وضعي مختلف لإحاطتي بالأطفال طوال الوقت، وإن لم تكن لي اليد الطولى في تربيتهم.
لو تكلمت عن هذا الأمر المهم، لما صمت أبداً.
هذا هو الفيديو، ولم أستطع أن أنزعه من رأسي منذ أن رأيته. لقد تأثرت كثيراً، بغضب على طفلتنا السعودية، وبإعجاب بالتربية الحسنة التي رأيت في المذيعات. الآن، أود لو اشتركت في قناة المجد، رغم أني لا أشاهد التلفاز، واتصلت ببرنامج الأطفال هذا، لأوجه رسالة إلى آباء وأمهات الفتيات في البرنامج، ماهينور خصوصاً، لأقول: ونعم التربية. أي والله، ونعم التربية.
ملاحظة: إني أعمل منذ فترة على موضوعي القادم، الذي يأتي بالشكل المعتاد، وسأنهيه قريباً، وأنزله هنا. نشرت هذا مستعجلاً نسبياً لشعوري بأهمية الأمر.
سعد الحوشان
أهلا بسعد,,
ردحذففي هذا الفيديو يتجلى واقع أطفالنا المؤلم!
في هذا الفيديو صورة من صور الصور المرة وما خفي كان أعظم!
أصبح من المألوف أن نسمع الكلمات البذيئة والنابية من الأطفال،
من الطبيعي أن نرى التطاول على العمالة و البائعين.
آلمني هذا الفيديو,آلمني البكاء وطأطأت الرأس,
حاولت أن أجد المبرر من نعتها بالــ(جزمة)؟!
هل نقص مقدارها؟
لا والله بل زادت
زادت بردها الذي يعجز عنه الكبار!
عزيزي أبو كرم.
ردحذفهؤلاء الأطفال هم المستقبل، وحينما نشيخ نحن، سنتعرض لسوء المعاملة على الأغلب.
ليس الخلل بالأطفال وحدهم، وليس الذنب ذنبهم، إننا نشاركهم الخلل، ونحتكر الذنب كله لأنفسنا برأيي.
أمنى أن يشيع هذا الفيديو، ليعيد الناس النظر في طريقتهم بالتربية.
أشكرك على ردك.
تحمل المسؤولية حاليا لا أراهـ مرتبط بعمر معين أبداً.. فأنت قد تجد مستهتر غير مبالي يقارب عمرهـ الثلاثين وفي المقابل تجد من يقدر المسؤولية ويتحمل عواقب أفعاله في سن صغيرة..
ردحذفعوامل عدة قد تؤثر على مدى تحمل الشخص للمسؤولية .. الطريقة التي تربى عليها..ترتيبه بين أفراد العائلة .. العقبات التي واجهها في حياته وكيفية تغلبه عليها..
~
ما يعجبني في تربية المصريين..أنك تجد أبناؤهم جريئين دونما وقاحة..بخلاف ما نجده، لدينا أحيانا كما ذكرت..عندما ترافق الجرأة أطفالنا..
أمر آخر شاهدناهـ في المقطع ..وهي مقدرة الطفلة على التصرف فرغم من أنها بكت..إلا أنها أوصلت النقاط التي تود ذكرها ..عندما تحدثت عن أخلاق المسلمين ..والحسنة
~
ريتاج..
نماذج كثيرة حولنا ..نجد فيها ريتاج..كنت تتساءل إن كان اهلها يعلمون بذلك..الامر غير مستبعد من الممكن ذلك..ولا أريد أن اظلم أحداً لكن هذا وارد..
نرى من الكثير استحقار الجنسيات الأخرى ومن بينها المصريين.. وهذا يصدر من الكبار قبل الصغار حتى .. فربما أنها حتى بعد تصرفها تعتقد بان هذا من حقها..وأمر عادي !
~
قبل مدة أذكر كان يتحدث احد أطفال العائلة عن المدرسة ..وأنه يكرهـ مادة اللغة الانجليزية..وعمرهـ تسع سنوات سألته إن كان المعلم لا يجيد اللغة .. كانت إجابته ..
~االي يدرسنا سوداني~ مع حركة بيدهـ لا مبالية وكأنه يقول "اغسلي ايدك منه"
هذا الطفل بسنواته التسع ما الذي جعله يتحدث عن هذهـ الجنسية بهذا الاستحقار ؟! أعتقد بأن محيطه له التأثير الاول..والداهـ كأول مؤثر..
ربما ان الموقف بقي ولم أتجاهله..لأني قوبلت باستهزاء قبل سبع سنوات تقريبا عندما بدأت صداقتي مع واحدة من السودان.. والحمدلله حتى الآن صداقتنا مستمرة وربما انها الوحيدة.. لكن لن أنسى يا سعد في كثير من المرات التي كنت أحادثها بالهاتف كان يمر بجانبي أحد أقاربي ويلقي كلماته بصوت عالي مستهزئا حتى تسمع هي الاخرى ~لا يكون هذي السودانية يا شذا؟~
~
ففي النهاية الكثير من الأخطاء يشاهدها الكبار من أطفالهم دونما محاولة تغيير..وأحيانا للأسف تشجيع..
كمثال..المقطع الذي كان فيه طفل صغير "يشيـّش"
من الذي قام بتصويرهـ؟!
بحق مثل هؤلاء لا يستحقون أن يكونوا آباء أو أمهات..
~
موفق
شذا العتيبي
نعم أحسنت هذا خبز ايدينا..
ردحذفالطفل مرآة لبيئته.. كم مرة سمعت هذه الفتاة هذه الكلمة موجهة لها قبل أن تطلقها على الآخرين..
كشفت واقعا مؤلما.. لاألومها كثيرا بقدر اللوم الذي يقع على مربيها...
واقع التربية اليوم مؤلم.. لو ربينا أنفسنا لتربوا اطفالنا.. الطفل يتعلم بالقدوة مايغني عن ألف كلمة ومقال..
هي مسؤلية مجتمع يتشارك الجميع فيها.. حتى لو لم تكن والدا..
أعتذر عن تأخري بالرد. كانت الأسابيع الأخيرة مليئة بالعمل والإنشغال بالمنزل. كان شيء خارج عن إرادتي.
ردحذفاالأخت شذا
إن حديثك عن تحمل المسئولية واقعي. لكن، لم يعد الواقع يعني الكثير في التربية الحالية. إن الناس لا يحبون تحمل المسئولية هنا، وهم يتربون على ذلك، ولا بأس لديهم بالكذب للتهرب من المسئولية. يوجد مستويات للمسئولية، قد يكون للمعايير التي ذكرتيها تثير في بعضها، لكن حتماً لا تأثير لها بالدائرة الأكبر في حياة الناس. إن الناس إجمالاً أنانيون، وهذا شيء يتعارض مع المسئولية المنشودة.
صحيح، إن جرأة أطفالنا، إن تجرأوا، ليس الجرأة المثيرة للإعجاب. لكن، هل تعرفين ما أعتقد؟ أعتقد أنهم هكذا حينما يتجرأون لأنهم يجدون في الجرأة ثورة على قيم وأفكار ظالمة لا يفهمونها، لهذا لا يقيسون ما يقومون به، لأنهم لم يمنحوا الفرصة، إنما انتزعوها، ولهم أن يتصرفون بها كما يحلوا لهم كما أتصور أنهم يتخيلون.
إن احتقار الآخرين لدينا مرجعه على ما أتصور عدم النضوج، والذهاب إلى المدى الأبعد بالتفكير وتقدير الحقائق، قد لا يشوبه سوء نية بقدر ما يشوبه حماقة وحس قروي منعزل، احادي الإتجاه. يكتسب الأمر سوء نية حينما نحتقر بعضنا فقط، لأننا نحسب بأننا نحن فقط الجديرون بالمقارنة بأنفسنا. أتصور هذا دائما.
بالنسبة لتجربة صداقتك بالأخت السودانية، أتمنى من كل قلبي أن يديم الله المحبة بينكن. فليس أجمل من صداقة تستمر رغم سوء فهم الآخرين وتنغيصهم، ويبلغ التقدير درجة أن يضرب بها المثل على نحو عفوي كما فعلتي الآن.
لقد مررت بظروف مماثلة من سوء الفهم والتقدير هذا، من هذا الازداء المختلفة أسبابه، حسب خلفية الطرف الآخر. وأعتقد بأن العديد من الناس يمرون بمثل هذا الظرف، بدرجات متفاوته. مع ذلك، يجد المرء مع الوقت في التنغيصات دافع أكبر بالانعزال عن مجتمعه المنغص، فكرياً على الأقل، والإتجاه إلى التعامل مع مجتمعات لا تنظر بنفس الطريقة بطبيعتها.
بالنسبة لعدم تصحيح سلوك الأطفال، لقد عايشت أمور كهذه من حولي واطلعت عليها. أعتقد بأني محظوظ، وأشعر بالأسف على هؤلاء الأطفال، الذين إن كان من حظهم أن يتغيروا، فعليهم أن يبذلوا مجهوداً أكبر في تربية أنفسهم من جديد. عرفت أناس يفرحون بضرب أطفالهم لأطفال الآخرين، حتى لا يكونوا "رخوم".
الأخت البتول
ربما كنت محقة، وكانت الفتاة قد سمعت هذه الكلمة موجهة إليها، لكن ما أتخيله، أنها سمعتها موجهة للغير، بلا بأس كبير بالأمر. أعتقد أن جرح الآخرين وفداحته أمر لم تتطلع هذه الطفلة عليه كما يجب، وربما لم تتعرض نفسها للجرح على الأغلب. هذا ما أتصوره.
أما لو كانت تسمع مثل هذه الكلمات والشتائم موجهة إليها، وصارت تجدها أمر عادي ليقال، فإطلاعها على حقيقة الأمور سيكون أصعب كما أتخيل في المستقبل. تحتاج إلى أن تكون ذكية لتفهم أفضل.
لقد وقعت على نقطة مهمة، تربية النفس خير طريقة لتربية الغير.
أعتقد ن المرء يجب أن يستمر بتربية نفسه، دائما.
الأخت شذا وبتول، سعيد بتفاعلكن جداً.