بسم الله الرحمن الرحيم
متى يعتبر المرء شريراً؟ لماذا نعتبر البعض أشراراً بسبب أفكارهم التي لا تؤثر على حياتنا، ولكن نصنف آخرين على أنهم طيبون رغم سوء أفعالهم المؤثرة علينا؟. هؤلاء الطيبون، قد يرتكبون أفعالاً شريرة وعدوانية، لأنهم فقط أساؤوا الفهم، وقد تكون أفعالهم مدمرة، وليست بقدر ما قد ظنوا بأنه يمسهم بشكل ما. مع ذلك، نتخيل بأننا ننظر إلى نواياهم، ونقول: إنهم أساؤوا الفهم فقط. لمجرد أننا كنا نتخيل بأنهم طيبون، لا يمكننا أن نعود ونصنفهم أشراراً بسهولة، خصوصاً حينما يكونون مقربين جداً إلينا لسبب أو لآخر. ولو سمعنا عن نفس فعلتهم تجاه آخرين غيرنا، لربما قلنا بأن من قام بالفعلة شخص رديء. المقصد هو، أننا لأننا طيبين، فإننا لا نملك معيار واضح وعادل لتقييم الشر، عادل تجاه أنفسنا. إن من يخرج أسوأ ما لديه حينما يظن سوءاً في من أمامه، لهو شخص شرير. ومن يخرج أسوأ ما في قاموسه، لمجرد أنه ظن أن الآخر أهانه، أو ينوي إهانته، أو حتى لا يتجاوب كما يحب هو، لهو شخص يحتاج إلى إعادة النظر في نفسه، فالجزاء يكون من جنس العمل، حيث لا يجب أن يكون الرد بأقصى طاقة المرء هو ديدنه. قد نضطر أحياناً إلى استخدام لهجة وكلام قاسٍ، ولكن، يجب أن يكون هذا هو الاستثناء في شخصيتنا.
لقد صنفت أناس على أنهم طيبين لفترة طويلة، أطول من اللازم بكثير، فترة من عمري.
اصبت بالتهاب في حلقي نهاية الاسبوع الفائت، ولم أنتظر وأحاول معالجة نفسي بالماء والعسل كالعادة، ولكني اشتريت مضاد حيوي، حيث شعرت بأن الأمر قد يتطور بسرعة. وفعلاً، حدث ما لم أتوقعه. ساءت حالتي في العمل جداً، على نحو مفاجئ. شككت بأني ربما اصبت بانفلونزا الخنزير، وهذا أمر لا أستبعده نظراً لظروف عملي، حيث أتعامل مع أجانب طوال الوقت، كثير منهم لتوه وصل إلى السعودية. ذهبت إلى المستشفى الجامعي للعمل على تنسيق موعد لأمي. وسألت عن الفحص عن الحمى. لم يكن لدى الاستقبال فكرة، وفي عيادة الرجال الأولية، قالت لي الممرضة أن لا أقلق طالما ما أعاني منه هو صداع والتهاب حلق وأذن وغثيان... فقط!! قالت بأن المرء عليه أن يعاني من استفراغ مستمر، ودرجة حرارة مرتفعة. فكرت بأن الأمور قد تجري بالتدريج. استأذنت من مديري، وخرجت إلى مركز صحي في حي الرائد. فحصني الطبيب، وطلب مني التوجه إلى مستشفى الشميسي. هناك، قالوا بأن حرارتي غير مرتفعة، وهذه علامة على أنها انفلونزا عادية على الأغلب. وكان الطبيب متضايقاً من كون حرارتي منخفضة!! وكأنما ضاع وقته، كان يجب أن أكون مريضاً جداً ومعرضاً للموت حتى أساوي وقته الثمين. رطن باللغة الانجليزية حتى يفهم الآخرين معه، وهو اردني على ما يبدو. كتب لي أدوية، وطلب مني العودة لو ارتفعت درجة حرارتي أكثر. وأخبرني أحد العاملين معه أن أحضر ورقة من العمل ليتم تحليل دمي. فيجب أن تكون حرارتي مرتفعة أو أحضر ورقة، ليتجنبون تحليل كل الناس لدمهم! وتظاهر بأنه هو العامل بالمستشفى لم يستطع تحليل دمه!! كذبة ماحقة. أخبرته بأني لست مهتماً بتحليل الدم، طالما أن الأعراض لدي لا ترقى إلى الخطر، وخرجت.
مات أمس اثنين، وقد تأخر اكتشاف حالتهم أكثر من اللازم. هنا، مثل بقية المتأخرين، وعكس كل المتقدمين، حياة الناس ليست الأولوية.
عدت إلى المنزل مبكراً، حيث نال مني التعب والغثيان. اتصلت بالمدير لأخبره بما جرى كما طلب، وأخبرته بأني لن أعود إلى العمل، وقد كان الدوام قد انتهى بالفعل، ولكن بقي وقت خارج الدوام. نمت طويلاً، نوم مُتعب أكثر مما هو مريح للجسد، ولكني حلمت حلماً جميلاً، حلمت بأني فتحت ثلاجتي، ووجدت ثلاث علب روتبير، وقلت لنفسي: ما أغباني، وأنا أبحث عنه بالسوق طوال هذه الفترة. قمت وقد صدقت الحلم لفترة قبل أن أستوعب أنه مجرد حلم للأسف. ولكن، فاتني كذلك تسجيلي وتسجيل أبناء إخواني معي في دورة السباحة، وقد عذروني لحسن الحظ. أتمنى أن يقبلوننا بالدورة اليوم. شعرت بالراحة لاحقاً حينما اتبعت نصيحة زميلي الملتزم الكبير، الذي اتصل ليطمئن، حيث نصحني بعصر الليمون الأخصر الصغير في كوب شاي. ارتحت حقاً والحمد لله. ولكني قبل قليل وأنا أفرش أسناني، شعرت فجئة بالغثيان، وكدت أن أستفرغ. أتمنى أن ينتهي الأمر بسرعة. يا رب.
الآن في العمل. لا أشعر أني على ما يرام. سأحاول أن أنهي ما لدي من معاملات، ربما سأغادر بعد أو قبل الظهر. لا أشعر بالقدرة أو حتى الرغبة بالقيام بأي شيء.
أكتب الآن في اليوم التالي. صحتي أفضل الحمد لله، إلى حد بعيد. عدت باكراً أمس إلى المنزل، و نمت حتى العصر. كان حالي أفضل بعدما صحوت. ولكن لم أكن على ما يرام، ولا زلت. على أني كنت مضطراً للخروج أمس، لأذهب وبعض أبناء إخواني لحضور دورة بالسباحة كنت أنسق لها منذ الاسبوع الفائت. أريد بشدة أن أتعلم السباحة، مع أني لم أكن أمس أشعر بأني بحال يسمح، ولكن لم يكن بوسعي ترك الأولاد لخيبة الأمل. ذهبنا، وسجلنا، أنا، واثنين مراهقين، وابن أخي الصغير. الدورة بـ250 ريالاً للفرد، في رعاية الشباب، قرب عملي السابق في الوزارة. سألني المدرب حينما دخلنا المسبح، كنت مع ابن اخي و ابن اختي المراهقين، سألني إن كنت أدرس؟ في الثانوية أم الجامعة؟ أخبرته بأني متخرج، سأل: من الثانوية أم الجامعة؟ قلت بأني أعمل، وقد ذهلت من استصغاره لعمري إلى هذا الحد! قال: بسم الله ما شاء الله، فهو مصري. أعتقد بأن تقصيري لشعر وجهي إلى حد كبير يساهم بسوء تقدير البعض لعمري. أغضت الولدين بقولي لاحقاً بأنه يحسبني أخوهم الصغير. تدربنا في أول يوم على بضعة أمور، ولم نكن لوحدنا مع المدرب، كان هناك مجموعة كبيرة، سوا أن معظمهم سبقونا بيوم. شرح لنا المدرب كيف أن سحب نفس عميق وكتمه، ثم غطس الوجه بالماء وإرخاء الجسم، سيجعل المرء يطفو على سطح الماء منبطحاً. جربنا، وكان الأمر جميلاً. طلب منا بالبداية فعل هذا الأمر مع دفع أنفسنا من جدر المسبح بأقدامنا، مع مد أيدينا إلى الأمام وفتح أعيننا، لنتحكم بمسارنا، ثم، جربنا بمد يد واحدة بينما الأخرى إلى جانب الجسم مسفوطة، ثم، دون مد أي يد، وهذه الطريقة الأخيرة، خلفت لدي شعور جميل جداً بالتحرر، دفعت نفسي ذهاباً، ووجدت أن مساري جيداً وأعيني مفتوحة تحت الماء، في العودة، دفعت نفسي واستمر جسدي يتقدم إلى الأمام، وأنا أكتم نفسي وأنظر أسفل الماء، لم أعلم أن المدرب تقدم إلي، ووضع يده بين بطني وصدري، وحركني دافعاً إياي برفق، خطر لي العديد من الخواطر الجميلة. شعرت بأني في منطقة وسيطة بين الحياة والموت، حيث يمكن للمرء أن يختار دونما خوف، أو ربما يطلع على الجانبين، ويحتار بطمئنينة لوضعه. خفتي وعدم حركتي، ووعيي الحي رغم ارتخاء جسدي الطافي مقلوباً فوق الماء، أشعراني بأني بوضع لم يسبق أن عشت له شبيهاً، وكأنما ولجت منطقة محظورة بشعوري. يشبه وضعي في ذلك الحين وضع قشة في ساقي، في مزرعة قديمة منسية، حية بشكل ما.
في اليوم التالي، أمس، انضممنا للبقية المتقدمين علينا. وكان هناك تمرين نقفز فيه بالدور، نسبح كاتمين أنفاسنا بمساعدة عوامة، تجاه المدرب. لما طلب منا الانطلاق، ظننته يريد من الكل الانطلاق، فقفزت! وسببت لخبطة إذ قفز اثنين من اصحاب الدور بنفس الوقت، ولم أعلم سوا حينما وصلت المدرب، الذي اتجه إلي وكأنما هو دوري، فرأيت الكل ينظر إلي مستغرباً!! يا للإحراج. بعد ذلك صرت أنتظر دوري بانتباه. لما تمرنا نفس التمرين، ولكن بالتشبث بيد واحدة بالعوامة، وصلت إلى المدرب، وقال: ممتاز، أفضل من المرة السابقة. تساءلت إن كان أدائي في المرة السابقة سيئا جداً؟ إحراج وسوء أداء.
أود لو تعلمت بسرعة، رغم مرضي إلا أن أموري تتحسن تماماً حالما ألج المسبح. وحينما ننتهي ونغادر أشعر بنشاط غير عادي، ومعنويات مرتفعة على نحو لم أعهده من قبل. يظل وضعي حسناً حتى يحين وقت نومي، فيسوء بضيق التنفس.
لا أستطيع الصبر حتى أتعلم السباحة، أشعر بأني سأسبح جيداً لو تعلمت. وخطتي هي الاشتراك بمسبح الجامعة، لأداوم على الأمر.
في اليوم الثالث في الدورة، تعلمنا كيف نسبح بمساعدة العوامة في أماكن أعمق بكثير. يوجد العديد من المشتركين الآن، ويوجد حتى رجال ربما تخطوا الخمسين أو شارفوا، على أن الغالبية هم من الشباب. قفزت قفزة مضحكة، حينما كنا نتعلم كيف نعوم بشكل عمودي، وضحك الناس،،، هل سأقوم كل يوم بأمر محرج؟. عموماً كان الجو مرحاً، على أننا لم نتعرف على أحد، أقصد أنا وإبني إخواني المراهقَين. يوجد مدرب أسود ضخم، يدرب الناس على القفز من أماكن عالية إلى الماء العميق. وكان يتخير منا، نحن من لا نعرف السباحة، من يجعلهم يقفزون على سبيل التحدي والمرح. اختار واحد، ثم لاحقاً قال: فيه واحد بينكم جايز لي، شعره طويل. لا يوجد من شعره طويل بشكل استثنائي بيننا، ولكن، أنا وشخص آخر شعرنا هو الأطول، ضففت شعري إلى الخلف بسرعة، ولكن كان أحدهم قد أشار إلي ضاحكاً، فضحك الآخرين. مع ذلك، لم يذهب أحد في المرة التالية لحسن الحظ.
يوليني المدرب عناية خاصة لسبب ما، فكثيراً ما يهتم بطريقة أدائي ويصححها، ويسبح بجانبي وأنا أطبق تمارينه ليعدل وضع جسمي ويعطيني ملاحظاته أكثر من الآخرين. غالباً ما يكون أدائي في المرة الأولى سيئاً جداً، ثم في المرة الثانية يشرح لنا المدرب عملياً، أدرس حركته جيداً، وأجد أمور كنت لم أستوعبها، يتحسن أدائي في المرات الثانية عموماً. مع ذلك، أداء إبن أختي السيء جداً، والذي ينال توبيخ المدرب لعناده وعدم استجابته يعطيني الثقة في نفسي.
تذكرت مع هذا المدرب، اخصائي العلاج الطبيعي حينما كانت قدمي متعبة بعد تخرجي من الجامعة. كان ممتازاً ومعروفاً، وهو مصري كذلك، ولكنه عصبي جداً، ويوبخ المراجعين كثيراً. في البداية حينما رأيته يوبخ ويصرخ خفت جداً، فأنا لا أحب أن يصرخ في وجهي أحد، وهو كان بصراحة مخيفاً حينما يعصب. ولكن لسبب ما، كان يخصني بمعاملة رقيقة، واهتمام خاص. شعرت بارتياح كبير حينما رأيت بأنه لا يحب توبيخي، ويبدو أنه لن يفعل حتى لو أخطأت. اعتنى بي جيداً، واهتم بحالتي. هل حظي جيد مع المصريين؟.
أخبرته ذات مرة بألم مفاجئ ألم بركبتي وأنا أؤدي التمارين المطلوبة، فأخذني إلى حجرة وفحص ركبتي، ودلكها بمرهم، وصار يسألني عن أمور كثيرة، ماذا أفعل بحياتي؟ ماذا أدرس؟ وكم عمري؟ فوجئت بأنه يعتقد أيضاً بأنني صغير. لو سمع زملائي هذا لضحكوا، ولو سمع من كانوا أصدقائي هذا لكان الوضع أسوأ، ربما باستثناء أحدهم، فراس، باستثناء فراس.
قبل أيام قال لي زميلي، وهو إمام بريء الملامح، بأني أحب الأشياء الغريبة. كان ينظر إلى ساعتي التي تظهر الوقت بالضوء، وإلى خاتمي المعدني الأسود المزخرف. أخبرته بأن هذا ما يجلسني معه، فضحك. خالد لديه قلب طيب جداً، ربما من أطيب القلوب التي تنبض. ولكن، يؤسفني القول بأنه غير حكيم تماماً. إنه يتكلم كثيراً عن الاستفادة من الوقت، عن الأداء الجيد في أمور الحياة، وهو يفلسف الأمور ويعطي النصائح، والأراء، ولكنه لا يجرب. وهذه مشكلة متفشية، عدى أن ما يبرزها لدى زميلي هذا هو إظهاره للحماسة دونما نتيجة، حتى أنه يسوف الأشياء الضرورية. ناقشني اليوم عن حبي للروايات، وهو لا يفهم الجدوى من الروايات، مثل الكثيرين بالمجتمع هذا، والمجتمع عموماً لا يفهم الجدوى من أشياء كثيرة، كالمسرح، والرسم، والفلسفة، مع أنك تجد لهم العذر في عدم فهمهم لقيمة الموسيقى، حتى لو استمعوا لها واستمتعوا بها، مع أن الموسيقى الرائجة هذه الأيام لا تضيف عموماً. أخبرته بأن الروايات كالشعر، كلها قد تكون خيالية، ولكن فيها المفيد البناء، وفيها التافه. لا أحد يجادل أبداً على جدوى الشعر هنا، رغم أن أكثر الشعراء هذه الأيام هم من الفقراء فكرياً وعاطفياً، ولكن الشعر أمر موروث ويفهمه الناس، وهم للأسف مغلقون عما لا يفهمون. إن ما أود فعله هو؛ حمل أمثال زميلي هذا، من لم يجربوا ولم يقرأوا، أو من جربوا ولم يجدوا في الأمر جدوى بسبب سوء الاختيار، ما أود فعله هو حملهم على التجربة والفهم بشيء ملائم وراقي. مشكلة الكثيرين هنا هي مع الخيال، فهم أعداء للخيال، وبشكل لا واعي يقرنونه بالكذب، فهو لا أساس له برأيهم، مع أن لكل شيء أساس، كل شيء تقريباً. أخبرت زميلي هذا بأن هذه لم تكن مشكلتنا حينما ألفنا كليلة ودمنه، وهو كتاب لو تكلم عنه أي أحد هنا، رغم أن لا أحد يقرأه، سوف يجزم بالنهاية بأنه شيء له قيمة، دون أن يطلع عليه، فقط شيء موروث، رغم أن الكتاب قصص عن الحيوانات، فكيف لهذه القصص أن تكون واقعاً؟، إن الأمر يتعلق بعدم الاطلاع وسوء الفهم فقط. بدا عليه الذهول حينما أخبرته بأن كليلة ودمنه تدور حول الحيوانات، مما أثبت وجهة نظري.
ليس زميلي هذا من يعاني من هذه المشكلة. يوجد من هم أسوأ منه. أكثر الناس حولي في العمل من الصعب تحفيزهم للقيام بشيء مختلف عن المعتاد. خارج الدوام يحفزهم على المكوث، والقيام بالمزيد من العمل لو استلزم الأمر، ولكن لاحظ: "المزيد من العمل"، هل هذا شيء مختلف؟ لا، إنهم فقط يحافظون على روتين معين، ويتكاسلون عن كسره، وتتثاقل أنفسهم عن تعلم شيء جديد، أو تجربته، لماذا؟ لأن تحفيزهم صعب، لقد تربوا بشكل عام على أن غالب أمور الحياة عبارة عن تفاهة، وما يكتفون به يعتبرون أنه هو فقط الأمر الجوهري، دون أن يعيدوا النظر.
لقد تأخرت كثيراًَ هذه المرة في إنزال التدوينة. هذا بسبب مرضي الاسبوع الفائت، وانشغالي الشديد.
أنهيت عزازيل قبل أيام. وهي رواية اشتهرت مؤخراً، خصوصاً بعد منح كاتبها يوسف زيدان البوكر العربي عنها. الأمر معقد بخصوصها نوعاً ما، ولكن لا شك أنها رواية جميلة وممتعة في معظمها، وأنصح بقراءتها بكل تأكيد. تدور الرواية حول راهب نصراني، في وقت يسبق ظهور الإسلام، وتقعد الأحداث في البداية في مصر، ثم في فلسطين وبلاد الشام. الراهب شخصية غير عادية، مثيرة للإهتمام والتعاطف، ولها رؤية نافذة في الناس من حولها. وليست الرواية تدور في أكملها حول الرهبنة، ولكن يوجد شخصيات قليلة ولكن جيدة تظهر في المحيط، وتؤثر بشكل غير عادي، وإن كان الجيد منها حقاً لم ينل حقه في الظهور مثل الشخصية الوحيدة التي لا معنى لها. وهذه الشخصية الوحيدة التي لا معنى لها خطيرة بالواقع، أعني خطيرة على جودة الرواية وإحساس القارئ. تظهر هذه الشخصية التي يتم التلميح لها منذ البداية في الربع أو الثلث الأخير من الرواية، وهي شخصية امرأة شابة اسمها مرتا. ورغم أنها ستجر الراهب، أو على الأصح، ستشاركه الخطيئة، فهو على استعداد غريب وغير محسوب من قبل الكاتب لمجاراتها، إلا أنها ليست الوحيدة التي تسيء لتاريخ الراهب الذي يفترض فيه الطهارة، رغم ذلك، ستجد أنك تحب وتتعاطف مع الفتاة الأخرى في أول الرواية، الفتاة اليونانية اوكتافيا، وستكره وتتعجب من وجود مرتا في نهاية الرواية، وكأنما وجدت بشكل منفر ومقحم لإيصال فكرة معينة أو إشباع نزوة مريضة. كل ما يتعلق بهذه المرتا، وحتى توقيتها، هو أمر ملغوم تجاه فهم الرواية، أو النوايا من خلفها، وفي كل الاحوال، وجودها سخيف ومسيء للرواية برأيي. ففي الوقت الذي كان من الممكن أن يعيش فيه الراهب البحث عن جواب لتساؤلاته، والقلق على صديقه الأسقف المُوحد نسطور (نستور على ما أعتقد أن الكاتب يريد)، واتخاذ قرار مثمر وحقيقي، أو منطقي على الأقل، نجده يمارس الخطيئة مع مرتا، ويفتتن بها، ويتصرف كشخص عاهر بلا تدرج ولا مقدمات تليق براهب، وفي النهاية يبدو وكأنه لا يستوعب حقيقة ما قام به، لهو أمر قمة بالسخف. كان وجود مرتا مقحماً حقاً، والآن وأنا أقرأ رواية أخرى للكاتب، لا أجد أن وجود مرتا عجيب، فالعجيب هو الجودة التي سبقت ظهور هذه في النص. هذا ما خلصت إليه بخصوص مرتا كقارئ عادي.
مع كل هذا، أرجو أن لا يثنيكم ازدرائي للجزء الأخير والضئيل من الرواية عن قرائتها، فما يسبق هذا الجزء لهو درر ومتعة صرفة. إنه لجميل ومدروس ما كتبه المؤلف منذ البداية حتى سخافة النهاية. وقد أذهل المؤلف النقاد بدقته التاريخية والعلمية، وهذا شيء مشجع وغير مألوف في بيئتنا الإبداعية. لقد جعلني المؤلف أفكر بالاسكندرية لأول مرة، وأفكر برؤيتها. وزودني بفكرة أكبر عن تلك الفيلسوفة والعالمة اليونانية المظلومة، التي قتلها النصارى في تعصب كما يظهر من الرواية، وإن كان ما أعرفه من إطلاع سابق أن أسباب قتلها كانت أعجب من التعصب، كانت قد قتلت لرفضها للرذيلة على حد معرفتي. ستحبون اوكتافيا، الوثنية الأخرى، وتحبون بساطتها وطيبتها رغم مجونها. ستحبون نستور وطيبته ومنطقه وذكاؤه وحنانه. ستحبون الراهب البطل، هيبا، وتحبون براءته قبل أن يفاجئكم المؤلف بغباء بالنهاية ويعرفكم على هيبا بشكل غير واقعي.
إن التوصيف الغريب لبعض الممارسات الجنسية في الرواية لم يكن كله مبرراً أو ضمن السياق المعقول، خصوصاً مع مرتا، ربما لأن شخصية الراهب كانت قد صقلت في ذلك الوقت، وأثبت نقائه، ليس كما كان الأمر مع اوكتافيا. خطر في بالي أن المؤلف مصري، ولم يستطع أن يتخلص من العقدة الأزلية لإنتاج المصريين، الإغراء الفج ومخاطبة الغريزة حتى حينما تفترض في عملهم الرقي، كان يبدو وكأنه قد قاوم الأمر حتى النهاية، حينما جاء دور مرتا.
أنا حالياً أقرأ رواية المؤلف الأولى، رغم أني تركتها لمللي قبل يومين، ولكن ربما سأتكلم عنها لاحقاً.
يبدو أن السفر إلى نيوزلاندا لن يكون. يبدو أن أمي قد كدست الأعذار منذ الآن... ولكن أنا وراه والزمن طويل. إن إنتهى الربيع في نيوزلاندا ولم نسافر، فسيبدأ في مكان آخر ونسافر بإذن الواحد الأحد.
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال :
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة أضحيان وعليه حلة حمراء، فجعلت أنظر إليه وإلى القمر، قال : فلهو أحسن في عيني من القمر .
رواه الدارمي والترمذي والحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي وأبو يعلى . ومعنى أضحيان : أي مضيئة مقمرة .
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال :
كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعاً ، بعيد ما بين المنكبين ، له شعر يبلغ شحمة أذنيه ، رأيته في حلة حمراء لم أر شيئاً قط أحسن منه .
رواه البخاري ومسلم .
ما الجامع بين الأحاديث التي وصلتني بالبريد؟ ما لفت انتباهي هو أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يلبس حلل حمراء في اثنين من الأحاديث. كان قد قيل لي أكثر من مرة أن لبس الأحمر مكروه للرجال!!! مع أن ثلاثة أرباع الشعب يلبسون الشماغ، إلا أنه يصبح مكروهاً حينما يكون تي شيرت مثلاً. حتى أن شخص كان صديقاً قال بأن الرجل الملتزم الذي قابل شخص يجلس معنا لفت الانتباه إلى قميصه الأحمر لأنه مكروه، وعليه، تضايق!!. لا أدري ما أساس الفكرة. لكن اللون الأحمر هو أحب الألوان إلى قلبي، وأحب لبسه حينما كنت ألبس غير الثوب في العصور الغابرة.
اليوم، طلب مني أخي الكبير أن أنضم إليه في استراحته القريبة، التي اشتراها مؤخراً. كان يريدني أن أجلس معه ومع زميله وصديقه الأمريكي. وجدت الأمريكي رجل ودود إلى حد جيد، وكبير جداً بالعمر. كان متوسطاً، ليس بالممل، وليس بذلك المثير للاهتمام. تكلمنا عن بعض الأمور السطحية، ووجدت أن له اهتمام كبير بحساب دخول الشهور الهجرية، فكرت بأنه يصلح لمجالسة والدي. تكلمنا عن القهوة، وأوضح أنه يعشق قهوتنا، ويحب شاينا. أخبرته بأني لا أحبهما. وتكلمنا عن طرق تجهيز الشاي في الأماكن المختلفة، تدخل أخي ليخبره بأني أحب الشاي الأخضر والهوت تشوكليت، وأخبره بجدية أني خبير بهما، ضحك الأمريكي. تكلمنا عن الشاي الأخضر وجودته، أخبرته بأن الناس هنا لا يعرفون كيف يحضرونه جيداً، فهم يحضرونه مثل الشاي العادي، ثقيلاً، بينما يجب أن يكون هو خفيف جداً. تكلمنا عن الحلال وطريقة ذبح الحيوانات، وصحح لي بعض المفاهيم. تكلمنا عن الطعام كذلك، فانبرى أخي الكبير يخبره بأني خبير بالمطاعم هنا، فأي شيء يحب أن يسأل عنه في هذا الخصوص، أين يأكل أو ماذا يتجنب فليسألني. بدا الأمر مضحكاً، خيل إلي بأن اعتدال جسمي يعتبر انتقاص لمصداقيتي. سألني عن الطعام الصيني الجيد هنا، وقال بأنه مل الطعام الصيني الكانتوني، ولم يجد من يوفر الأكلات السيشوانية والهينانية، أخبرته بأنه لن يجد خلاف الكانتوني، عدا عن بضع أطباق غير جيدة من المناطق الصينية الاخرى. تكلم أخي عن ما يحب تجربته من طعام، وهي أمور غريبة. وحكى لنا الأمريكي عن الطعام الغريب الذي صادفه في أوروبا. سألته إن كان قد أكل الجمل؟ قال بأنه أكله، ثم سألته عن الضب؟ فلم يعرف ما هو. أخبرته بأنه نوع كبير من السحالي. سأل إن كان هو الوزغ؟ لم يفهم أخي ما يقصد، فأخبرته، فضحكنا حقاً. بعد شرح فهم وبدا أنه يعرفه ولكن لم يجربه، ولا الجراد أيضاً. سألته إن كان الناس يأكلون القنادس في أمريكا؟ قال لا. أعتقد بأنه صادق، ولكني أعلم بأنهم في مرحلة ما كانوا يأكلونه. السناجب؟ قال بأن البعض يأكلها، ولكن لا يبدو أنه أكلها. ماذا عن الثور الأمريكي؟ البايسون؟ قال بأنه يؤكل على نطاق واسع، ويعتبر صحياً. تكلم عن بيئة مدينته، وسألته إن كان في منطقته طيور طنانة؟ قال بأنها كثيرة هناك، ولزوجته قنينة معلقة لإطعام الطيور. أخبرته بأني أتمنى لو رأيتها. قال: أنتم ليس لديكم منها هنا؟ فكرت: يا لها من فكرة مضحكة. قال أخي عني هذه المرة: بأني أقرأ وأطلع كثيراً على الشعوب وعاداتهم، وأقرأ عن الطبيعة والحيوانات وأحبها. وأنه نصحني كثيراً بالتوجه للعمل في الخارج في السفارة، فهكذا سأرى العالم وأرى الطبيعة، وأتعرف على الناس، ولكن، يبدو أني متردد فيما يخص الأمر. شعرت بالإحراج. قال الأمريكي بأن هذه صفات ديبلوماسية في دعم لوجهة نظر أخي. لم أجاوب. فكرت بأن أخي لا زال يفكر بعملي السابق، حيث كان يتمنى لو خرجت للعمل في الخارج وكان ينصحني كثيراً بالأمر في ذلك الوقت، كان شديد الحماس تجاهه، سوا أني خرجت من العمل وخيبت أمله، ولم يفهم اختلاف أولوياتي، ولكن يبدو مع ذلك أنه لا زال يتخيل الأمر. سألني الأمريكي إن كنت قد درست في الخارج؟ أخبرته بأني لم أفعل. قال بأن لكنتي جيدة، وأنه افترض بأني درست بالخارج. كيف اكتسبتها؟ اخبرته بأني اكتستبها بالممارسة. قال في الجامعة؟ أخبرته بأني تخرجت ولم أكن اجيد التحدث تماماً، ولكني مارست التحدث في العمل. امتدح لهجتي مجدداً. ولكنه لم يحدد نوعيتها. وأنا أعلم بأني لا أتحدث مثل أحد على وجه الخصوص. غالباً ما يتكلم الناس عن اللهجة البريطانية والامريكية، متناسين لهجات أخرى، وغير مستوعبين أنه لا يوجد ما يسمى باللهجة البريطانية. كنت أحب دوماً اللهجة الانجليزية التي لن أكتسبها أبداً، ولكني لست أتكلم بلهجة محددة، أو أحاول أن أتقن لهجة محددة، مع ذلك، أسمع أن لكنتي جيدة، دون تحديد لنوعيتها، أعتقد أن الآخرين مدركين كذلك أني لا أتحدث مثل أحد من أهل اللغة، إذا، كيف تكون لكنتي جيدة؟ لا أعرف كيف يُشرح الأمر، ولن يبدو وضعي جيداً لو سألت أحداً عنه.
ودعتهم لاحقاً قائلاً بأني سأذهب للصلاة، التي ابدى الأمريكي اعجابه بصوت مؤذنها القريب. طلب مني أخي أن أعطي ضيفه بطاقتي الشخصية، ولم يكن لدي يوماً بطاقة شخصية!! أخبرته. احتج أخي، لماذا لم يعطوك في الجامعة؟َ! فطلب أن آخذ بريد ضيفه، الذي أعطاني بطاقته. في مثل هذه الحالات، بالعادة أقترح إرسال بطاقتي الشخصية الالكترونية عن طريق البلوتوث، حيث يوجد ميزة البطاقة الالكترونية في جوالي، ولكن جوال الأمريكي لم يكن من النوع الذي يحوي بلوتوث فصمتُْ. ودعني بلطف وخرجت.
يعمل في الجامعة زميل لي، تخرجنا معاً. هو شخص طيب ولطيف، ولكني لا أقابله كثيراً رغم أنه يعمل بالجامعة أيضاً. سوا أننا في الفترة الأخيرة صرنا نتقابل أو نتكلم بالهاتف كثيراً لأنه اشترى جهاز حاسب جديد ويحتاج إلى مساعدة في بعض أموره. انتيهنا من موضوع جهازه، وفاجئني بزيارة إلى قسمي في يوم من الأسبوع الفائت. تكلمنا في الممر المجاور. ولطالما وجد طريقة للضحك علي وعلى غفلتي بحسن نية. كان قد أخبرني قبل فترة بأنه ارتاح للخروج معي، حينما خرجنا للأسواق للبحث عن كمبيوتر له والاطلاع. قال بأني أمشي في حالي، ولا أهتم بمن حولي، مما يجنبنا المشاكل، حيث علمت بأن أحد أقاربه ينظر كثيراً للنساء، وهو ما يقوده للجنون حينما يخرج معه. أردت أن أخرج شيء من جيبي، فخرجت صورة لي صغيرة، كنت قد طبعتها لدورة السباحة وبطاقة الجامعة، فأخذها وتأملها. قال بأني وسيم، قال هذا بطريقة شخص أكتشف الأمر لتوه. فكرت؛ بالعادة الناس يقولون بأن الصور جميلة حينما ينظرون إليها وأصحابها إلى جانبهم، أما جمال الشخص نفسه فالمفترض أن يكتشف بالواقع وليس بالصورة.
لدي زميل، كنت قد حكيت عنه سابقاً، لا أدري هل حكيت في هذه المدونة أم في مدونتي القديمة المحذوفة. ينتمي هو إلى العرق الأسود، رغم لونه البني الفاتح. وكثيراً ما يعاملني بانبهار ساخر، بحكم أني أبيض، وهو يسخر من كل شيء، حتى نفسه وعرقه. وهو كما يقولون، دائما ما يحاول أن "ينفخ رأسي" ويضحك علي، ويشاركه في هذا زميله الآخر، الأبيض. يتكلمون وكأني "هاي كلاس" كما يعبر الناس. ويستغلون كل شاردة وواردة للتعليق. ودمهم خفيف فعلاً، ولا أجاريهم بالتعليق، فلا أرد على تعليقاتهم غالباً. وغالباً ما يبدي هو وزميله ذهولهم المصطنع من أتفه الأشياء التي تخصني، ويخرجون بتعليقات مضحكة. لكن، ما كان يشد انتباهي منذ فترة جيدة الآن، أن زميلي الأسمر الذي يقترح دائما بأن نسافر معاً، كثيراً ما يقترح بأن نسافر إلى اسبانيا، وأن ألبس هناك تي شيرت فرنسي، ولا أدري ماذا يقصد بالضبط، رغم أنه يشير إلى قصة معينة للياقة، ولكني أفترض بأنه يقصد ذلك التي شيرت الموضة الذي انتشر كالنار في الهشيم قبل فترة، حيث كانت رؤيته تضايقني، إذ أشعر بأن من يلبسه يجدر به تربية صدر يليق بامرأة. كان أخي يلبسه، وأصدقائي يلبسونه، وكثيراً ما شعرت كم هو قبيح. ويقترح بأن ألبس مع التي شيرت الفرنسي بنطال برمودا، وأن أرقص هناك لأجذب الاسبانيات. كنت أستغرب من هذا السيناريو، ولا أفهم أي ضرب من الرقص يقصد حينما يهتز بطريقة غريبة، سوا في آخر مرة حينما قال، ترقص كذا، وهز جسده وضرب رجليه بالأرض وقلد صوت دقات حادة. فطنت فجئة، وسألته: فلامنكو؟ ولكنه صمت، فهو لا يدري ما اسم الرقصة، ولكني فهمت ما يعني. وأكمل القصة عن تجمع الفتيات الحسناوات وشيء من هذا القبيل. فهمت لماذا اسبانيا بالذات، ولماذا يتخيل هكذا. هذه الرقصة، الفلامنكو، رقصة تقليدية هناك، يرقصها الرجال والنساء، ولكن لكل طريقته. تركيز الرجال عموماً على حركة أقدامهم، بالقرع على أرضية خشبية للمساهمة بالموسيقى، أو حتى التعويض عنها في مقاطع معينة. ينطبق الأمر على النساء غالباً، ولكن النساء يتوجب عليهن القيام بحركات أكثر بأجسامهن، وفي بعض أساليب الرقص الإقليمية، تتجاهل النساء حتى الأقدام ويركزن على أشياء أخرى. كنت قد فتنت بهذا الضرب من الرقص منذ أن كنت صغيراً، حينما رأيته في فيلم أمريكي يدور في أسبانيا، في الفترة القصيرة التي امتلكنا فيها جهاز فيديو، حيث كان ممنوعاً بالمنزل، حتى فترة متأخرة من حياتنا. كنت في الصف الثالث الابتدائي، وبدا لي هذا الرقص الغريب هو الأجدر بالتعلم، بينما كنت حسب ثقافتنا لا أهتم بالرقص ولا يشد انتباهي أصلاً إلا في حالات استثنائية قليلة، حينما تعتلي المنصة امرأة ترقص وهي مميزة في أحد الأعراس مثلاً. لا زلت شخص لا يجيد الرقص، ولا يهتم حقاً مثل بعض الشباب. ولكني أحب دائما الإطلاع على الرقصات الشعبية لمختلف الشعوب، وليس الرقص الحديث. أحب مراقبته ودراسته، ومقارنته كثيراً. وقد فجر هذا جدلاً في منتدى أشارك فيه، حينما عرض أحدهم مقطع فيديو لشباب سعوديون في الشرق، يبدو أنهم يدرسون هناك، ويشاركون في حفل اجتماعي، فلما حانت فقرة السعودية، شغلوا أغنية جميلة لراشد الفارس، ورقصوا رقص جميل ماتع، أفسده دخول بعض الشباب الأغبياء مع العارضين لأنهم تحمسوا، ولكن فكرة الرقص لم تواجه اعتراضي، بينما قال الآخرين بالمنتدى بأن هؤلاء "فشلونا". تكلمت عن أنهم رقصوا فقط، وأن من لا يسمح لهم برستيجهم بالرقص، فيجب أن لا ينتقدوا الناس إن رقصوا، خصوصاً أنهم لم يرقصوا في غير موضع الرقص ولم يزعجوا الناس، كان استعراض لفلكلورنا. واحتجوا بأنه ليس فلكلورنا، قلت بأنه مزيج منه، وشرحت بأني لا أرقص، ولكني مهتم بالرقص الفلكلوري، وتنوعه لدينا، ومراقب له. يسهل الغضب من الناس وانتقادهم دونما سبب، بينما لا ينتقد هؤلاء أنفسهم أولاً على تعصبهم ونظرهم للآخرين من أعلى، ولا ينتقدون حتى سراويل اللوويست أو الأشياء المقرفة الأخرى التي قد لا يحجمون عنها.
عموماً، لم أكن لأرقص في مكان أولائك الشباب لسبب بسيط، أني لا أعرف. ولو كنت سأتعلم كيف أرقص، لتعلمت رقص الفلامنكو الذكي والذي يحتاج إلى مهارة حقيقية. ولا أخفيكم، لقد كانت هذه أمنيتي منذ أن عرفت عنه، ولا زالت.
أنهيت اشتراكي أخيراً في محل الفيديو، الماسة الزرقاء. وكنت أنوي هذا منذ فترة طويلة. حيث أنه صار سيئاً، ويوفر كل أفلامه للبيع وليس للأجار إلا في حالات قليلة، متذرعاً بأن هذه قوانين بعض شركات التوزيع. حينما تنهي اشتراكك، يحق لك أخذ فيلمين لك بدلاً من قيمة الاشتراك التي دفعتها. لم أتردد بالاختيار، بل كان الأمر بديهياً. أحدها كان: الرقص في لونسا، وهو فيلم عن مسرحية ايرلندية، أعتبره من أجمل ما رأيت. يتكلم عن عائلة من خمس من الأخوات العوانس، وأخوهن الذي عاد معتوهاً شائخاً من أفريقيا، وحبيب الصغرى ووالد طفلها غير الشرعي الذي يحكي القصة. تقوم على الجميع الأخت الكبرى، التي تؤدي دورها مريل ستريب، الممثلة الأكثر مهارة واحتراماً. وهي هنا متدينة، متسلطة إلى حد ما، شكاكة ومزعجة، ولكنها لها دوافعها، إنها رائعة، قلبها دافئ، محبة للجميع، ولكنها مهووسة بصورة الجميع في الخارج كذلك. تتكالب الأقدار على هذه العائلة البائسة، على نحو يدعو للشفقة، وتتفكك بشكل ما. إن ما يذهل في هذا الفيلم هو الأداء الطبيعي جداً، العفوي جداً. حتى الأخت التي تعاني من تخلف خفيف. هذا الفيلم من الأفلام القليلة التي تحرك شعوري بطريقة مألوفة إلى نفسي، بطريقة تشعرني بأني لدي شيء مثيل. الفيلم الآخر هو فيلم اسباني، اسمه متاهة الفون. وهو يدمج بين الواقع المرير القاسي للحرب والثورة المكبوتة، وبين الخيال الغريب، الذي لا يخلو من رعب في بعض لحظاته. من أروع ما رأيت.
فقط انظروا إلى الإبداع في هذا الفيديو:
كانت أمي تبحث عمن يأخذ جوازها وصورها لغرفتها، حينما أخذته منها، وطلبت الاحتفاظ بصورة من صورة الموجودة في نفس الظرف، فرفضت. ألحيت، فتمنت بأنها لم تعط المظروف لي!. وافقت بعد جهد جهيد على مضض. هي مثلي على ما يبدو، لا تفضل احتفاظ الآخرين بصورها . حينما نظرت إلى الصورة في الجواز تذكرت صورة أم شخص آخر، كنت قد ساعدت في أمر تأشيرة لها. يا للشبه!! حتى نفس النظرة. أقصد شبه الصور والانطباع طبعاً.
الصورة في أعلى الموضوع لمصلى الكلية، حيث أصلي الظهر كل يوم. يبدو أحياناً أن الأمور تتداعى، ونحن نصلي، إما غافلين، أو مؤمنين.
سعد الحوشان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ما رأيك بالقول؟